فصل: باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود

1 - عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏كشف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر فقال‏:‏ يا أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود‏.‏

قوله ‏(‏كشف الستارة‏)‏ بكسر السين المهملة وهي الستر الذي يكون على باب البيت والدار‏.‏

قوله ‏(‏من مبشرات النبوة‏)‏ أي من أول ما يبدو منها مأخوذ من تباشير الصبح وهو أول ما يبدو منه وهو كقول عائشة أول ما بدئ به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من الوحي الحديث وفيه أن الرؤيا من المبشرات سواء رآها المسلم أو رآها غيره‏.‏

قوله ‏(‏ألا وإني نهيت‏)‏ النهي له صلى اللَّه عليه وآله وسلم نهي لأمته كما يشعر بذلك قوله في الحديث ‏(‏أما الركوع‏)‏ إلى آخره ويشعر به أيضًا ما في صحيح مسلم وغيره أن عليًا قال‏:‏ ‏(‏نهاني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا‏)‏ ويدل عليه أيضًا التأسي العامة وفيه خلاف في الأصول وهذا النهي يدل على تحريم قراءة القرآن في الركوع والسجود وفي بطلان الصلاة بالقراءة حال الركوع والسجود خلاف‏.‏

قوله ‏(‏أما الركوع فعظموا فيه الرب‏)‏ أي سبحوه ونزهوه ومجدوه وقد بيَّن صلى اللَّه عليه وآله وسلم اللفظ الذي يقع به هذا التعظيم بالأحاديث المتقدمة في الباب الذي قبل هذا‏.‏

قوله ‏(‏وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء‏)‏ فيه الحث على الدعاء في السجود وقد ثبت في الصحيح عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏فقمن‏)‏ قال النووي‏:‏ هو بفتح القاف وفتح الميم وكسرها لغتان مشهورتان فمن فتح فهو عنده مصدر لا يثنى ولا يجمع ومن كسر فهو وصف يثنى ويجمع قال‏:‏ وفيه لغة ثالثة قمين بزيادة الياء وفتح القاف وكسر الميم ومعناه حقيق وجدير‏.‏ ويستحب الجمع بين الدعاء والتسبيح المتقدم ليكون المصلي عاملًا بجميع ما ورد والأمر بتعظيم الرب في الركوع والاجتهاد في الدعاء في السجود محمول على الندب عند الجمهور وقد تقدم ذكر من قال بوجوب تسبيح الركوع والسجود‏.‏

 باب ما يقول في رفعه من الركوع وبعد انتصابه

1 - عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع اللَّه لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد ثم يكبر حين يهوي ساجدًا ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يهوي ساجدًا ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وفي رواية لهم ‏(‏ربنا لك الحمد‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم‏)‏ فيه أن التكبير يكون مقارنًا لحال القيام وأنه لا يجزئ من قعود‏.‏ وقد اختلف في وجوب تكبيرة الإحرام وقد قدمنا الكلام على ذلك‏.‏

قوله ‏(‏ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد‏)‏ فيه متمسك لمن قال إنه يجمع بين التسميع والتحميد كل مصل من غير فرق بين الإمام والمؤتم والمنفرد وهو الشافعي ومالك وعطاء وأبو داود وأبو بردة ومحمد بن سيرين وإسحاق وداود قالوا‏:‏ إن المصلي إذا رفع رأسه من الركوع يقول في حال ارتفاعه سمع اللَّه لمن حمده فإذا استوى قائمًا يقول ربنا ولك الحمد‏.‏

وقال الإمام يحيى والثوري والأوزاعي وروي عن مالك‏:‏ إنه يجمع بينهما الإمام والمنفرد ويحمد المؤتم‏.‏ وقال أبو يوسف ومحمد‏:‏ يجمع بينهما الإمام والمنفرد أيضًا ولكن يسمعل المؤتم‏.‏ وقال الهادي والقاسم وأبو حنيفة‏:‏ إنه يقول الإمام والمنفرد سمع اللَّه لمن حمده فقط والمأموم ربنا لك الحمد فقط وحكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وأبي هريرة والشعبي ومالك وأحمد قال وبه أقول انتهى‏.‏ وهو مروي عن الناصر‏.‏

ـ احتج القائلون ـ بأنه يجمع بينهما كل مصل بحديث الباب ولكنه أخص من الدعوى لأنه حكاية لصلاة النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إمامًا كما هو المتبادر والغالب إلا أن قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏صلوا كما رأيتموني أصلي‏)‏ يدل على عدم اختصاص ذلك بالإمام‏.‏

ـ واحتجوا أيضًا ـ بما نقله الطحاوي وابن عبد البر من الإجماع على أن المنفرد يجمع بينهما وجعله الطحاوي حجة لكون الإمام يجمع بينهما فيلحق بهما المؤتم لأن الأصل استواء الثلاثة في المشروع في الصلاة إلا ما صرح الشرع باستثنائه‏.‏

ـ واحتجوا ـ أيضًا بما أخرجه الدارقطني عن بريدة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ يا بريدة إذا رفعت رأسك من الركوع فقل سمع اللَّه لمن حمده اللَّهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد‏)‏ وظاهره عدم الفرق بين كونه منفردًا أو إمامًا أو مأمومًا ولكن سنده ضعيف‏.‏ وبما أخرجه أيضًا عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏كنا إذا صلينا خلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال سمع اللَّه لمن حمده قال من ورائه سمع اللَّه لمن حمده‏)‏‏.‏

ـ احتج القائلون ـ بأنه يجمع بينهما الإمام والمنفرد ببعض هذه الأدلة‏.‏

ـ واحتج القائلون ـ بأن الإمام والمنفرد يقولان سمع اللَّه لمن حمده فقط والمأموم ربنا لك الحمد فقط بحديث أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال إنما جعل الإمام ليؤتم به‏)‏ وفيه ‏(‏وإذا قال سمع اللَّه لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد‏)‏ أخرجه الشيخان وأخرجا نحوه من حديث عائشة وقد تقدم نحو ذلك في باب التكبير للركوع والسجود من حديث أبي موسى وسيأتي نحوه من حديث أنس‏.‏ ويجاب بأن أمر المؤتم بالحمد عند تسميع الإمام لا ينافي فعله له كما أنه لا ينافي قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين‏)‏ قراءة المؤتم للفاتحة وكذلك أمر المؤتم بالتحميد لا ينافي مشروعيته للإمام كما لا ينافي أمر المؤتم بالتأمين تأمين الإمام وقد استفيد التحميد للإمام والتسميع للمؤتم من أدلة أخرى هي المذكورة سابقًا والواو في قوله ‏(‏ربنا ولك الحمد‏)‏ ثابتة في أكثر الروايات وقد قدمنا أنها زيادة فيكون الأخذ بها أرجح لا كما قال النووي إنه لا ترجيح لإحدى الروايتين على الأخرى وهي عاطفة على مقدر بعد قوله ربنا وهو استجب كما قال ابن دقيق العيد أو حمدناك كما قال النووي أو الواو زائدة كما قال أبو عمر بن العلاء أو للحال كما قال غيره‏.‏ وروي عن أحمد بن حنبل أنه إذا قال ربنا قال ولك الحمد وإذا قال اللَّهم ربنا قال لك الحمد‏.‏ قال ابن القيم‏:‏ لم يأت في حديث صحيح الجمع بين لفظ اللَّهم وبين الواو‏.‏ وأقول قد ثبت الجمع بينهما في صحيح البخاري في باب الصلاة للقاعد من حديث أنس بلفظ ‏(‏وإذا قال سمع اللَّه لمن حمده فقولوا اللَّهم ربنا ولك الحمد‏)‏ وقد تطابقت على هذا اللفظ النسخ الصحيحة من صحيح البخاري‏.‏

قوله ‏(‏ثم يكبر حين يهوي‏)‏ فيه أن التكبير ذكر الهوي فيبتدئ به من حين يشرع في الهوي بعد الاعتدال إلى حين يتمكن ساجدًا‏.‏

قوله ‏(‏وفي رواية لهم‏)‏ يعني البخاري ومسلمًا وأحمد لأن المتفق عليه في اصطلاحه هو ما أخرجه هؤلاء الثلاثة كما تقدم في أول الكتاب لا ما أخرجه الشيخان فقط كما هو اصطلاح غيره‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على مشروعية تكبير النقل وقد قدمنا الكلام عليه مستوفى‏.‏

2 - وعن أنس‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا قال الإمام سمع اللَّه لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

الحديث قد سبق شرحه في باب التكبير للركوع والسجود‏.‏ وفي الحديث الذي في أول الباب وقد احتج به القائلون بأن الإمام والمنفرد يقولان سمع اللَّه لمن حمده فقط والمؤتم يقول ربنا ولك الحمد فقط‏.‏ وقد عرفت الجواب عن ذلك‏.‏

3 - وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال اللَّهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد‏)‏‏.‏

رواه مسلم والنسائي‏.‏

الحديث قد تقدم طرف من شرحه في حديث علي المتقدم في باب ذكر الاستفتاح بين التكبير والقراءة‏.‏

قوله ‏(‏أهل الثناء والمجد‏)‏ هو في صحيح مسلم بزيادة‏:‏ ‏(‏أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد‏)‏ قبل قوله لا مانع الخ‏.‏ وأهل منصوب على النداء أو الاختصاص وهذا هو المشهور وجوز بعضهم رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف والثناء الوصف الجميل والمجد العظمة والشرف وقد وقع في بعض نسخ مسلم الحمد مكان المجد‏.‏

قوله ‏(‏لا مانع لما أعطيت‏)‏ هذه جملة مستأنفة متضمنة للتفويض والإذعان والاعتراف‏.‏

قوله ‏(‏ذا الجد‏)‏ بفتح الجيم على المشهور وروى ابن عبد البر عن البعض الكسر‏.‏ قال ابن جرير‏:‏ وهو خلاف ما عرفه أهل النقل ولا يعلم من قاله غيره ومعناه بالفتح الحظ والغنى والعظمة أي لا ينفعه ذلك وإنما ينفعه العمل الصالح وبالكسر الاجتهاد أي لا ينفعه اجتهاده وإنما تنفعه الرحمة‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على مشروعية تطويل الاعتدال من الركوع والذكر فيه بهذا‏.‏ وقد وردت في تطويله أحاديث كثيرة وسيأتي الكلام على ذلك‏.‏

 باب في أن الانتصاب بعد الركوع فرض

1 - عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا ينظر اللَّه إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

2 - وعن علي بن شيبان‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

3 - وعن أبي مسعود الأنصاري قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا تجزئ صلاة لا يقيم فيها الرجل صلبه في الركوع والسجود‏)‏‏.‏

رواه الخمسة وصححه الترمذي‏.‏

الحديث الأول تفرد به أحمد من رواية عبد اللَّه بن زيد الحنفي قال في مجمع الزوائد‏:‏ ولم أجد من ترجمه وقد ذكر ابن حجر في المنفعة أنه وهم الهيثمي في تسميته عبد اللَّه بن زيد وأنه عبد اللَّه بن بدر وهو معروف موثق ولكنه قال إن عبد اللَّه بن بدر لا يروي عن أبي هريرة إلا بواسطة‏.‏

والحديث الثاني أخرجه أيضًا ابن ماجه من طريق أبي بكر ابن أبي شيبة عن ملازم بن عمرو وقد وثقه أحمد ويحيى والنسائي‏.‏ وقال أبو داود‏:‏ ليس به بأس عن عبد اللَّه بن بدر وقد وثقه ابن معين والعجلي وأبو زرعة عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان وقد وثقه ابن حبان‏.‏

والحديث الثالث إسناده صحيح وصححه الترمذي كما قال المصنف‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن أنس عند الشيخين وعن أبي هريرة من حديث المسيء صلاته وسيأتي‏.‏ وعن رفاعة الزرقي عند أبي داود والترمذي والنسائي من حديث المسيء صلاته أيضًا‏.‏ وعن حذيفة عند أحمد والبخاري وسيأتي‏.‏ وعن أبي قتادة عند أحمد وعن أبي سعيد عنده أيضًا وسيأتيان‏.‏ وعن عبد الرحمن بن شبل عند أبي داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

ـ والأحاديث ـ المذكورة في الباب تدل على وجوب الطمأنينة في الاعتدال من الركوع والاعتدال بين السجدتين وإلى ذلك ذهبت العترة والشافعي وأحمد وإسحاق وداود وأكثر العلماء قالوا ولا تصح صلاة من لم يقم صلبه فيهما وهو الظاهر من أحاديث الباب لما قررناه غير مرة من أن النفي إن لم يمكن توجهه إلى الذات توجه إلى الصحة لأنها أقرب إليها‏.‏ وقال أبو حنيفة وهو مروي عن مالك إن الطمأنينة في الموضعين غير واجبة بل لو انحط من الركوع إلى السجود أو رفع رأسه عن الأرض أدنى رفع أجزأه ولو كحد السيف‏.‏

ـ واحتج أبو حنيفة ـ بقوله تعالى ‏{‏اركعوا واسجدوا‏}‏ وقد عرفناك في باب قراءة الفاتحة أن الفرض عنده لا يثبت بما يزيد على القرآن وبينا بطلانه هنالك وسيأتي لهذا مزيد بيان في باب الجلسة بين السجدتين إن شاء اللَّه‏.‏

 باب هيئات السجود وكيف الهوي إليه

1 - عن وائل بن حجر قال‏:‏ ‏(‏رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا أحمد‏.‏

الحديث قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن غريب لا نعرف أحدًا رواه غير شريك وذكر أنهما ما رواه عن عاصم مرسلًا ولم يذكر وائل بن حجر قال اليعمري‏:‏ من شأن الترمذي التصحيح بمثل هذا الإسناد فقد صحح حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل ‏(‏لأنظرن إلى صلاة النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فلما جلس للتشهد‏)‏ الحديث وإنما الذي قصر بهذا عن التصحيح عنده الغرابة التي أشار إليها وهي تفرد يزيد بن هارون عن شريك وهو لا يحطه عن درجة الصحيح لجلالة يزيد وحفظه وأما تفرد شريك به عن عاصم وبه صار حسنًا فإن شريكًا لا يصحح حديثه منفردًا هذا معنى كلامه‏.‏

وكذلك علل الحديث النسائي بتفرد يزيد بن هارون عن شريك وقال الدارقطني‏:‏ تفرد به يزيد عن شريك ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به‏.‏ وقال البيهقي‏:‏ هذا حديث يعد في أفراد شريك القاضي وإنما تابعه همام مرسلًا هكذا ذكر البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين وأخرج الحديث أبو داود من طريق محمد بن جحادة عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال المنذري‏:‏ عبد الجبار بن وائل لم يسمع من أبيه وكذا قال ابن معين وأخرجه أيضًا من طريق همام عن شقيق عن عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو مرسل‏.‏ وكذا قال الترمذي وغيره كما تقدم لأن كليب بن شهاب والد عاصم لم يدرك النبي صلى اللَّه عليه وسلم‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن أنس‏:‏ ‏(‏أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه‏)‏ أخرجه الحاكم والبيهقي والدارقطني وقال‏:‏ تفرد به العلاء بن إسماعيل وهو مجهول وقال الحاكم‏:‏ هو على شرطهما ولا أعلم له علة وقال ابن أبي حاتم عن أبيه‏:‏ إنه منكر‏.‏

ـ الحديث ـ يدل على مشروعية وضع الركبتين قبل اليدين ورفعهما عند النهوض قبل رفع الركبتين وإلى ذلك ذهب الجمهور وحكاه القاضي أبو الطيب عن عامة الفقهاء وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب والنخعي ومسلم بن يسار وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي قال وبه أقول‏.‏

وذهبت العترة والأوزاعي ومالك وابن حزم إلى استحباب وضع اليدين قبل الركبتين وهي رواية عن أحمد وروى الحازمي عن الأوزاعي أنه قال‏:‏ أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم قال ابن أبي داود‏:‏ وهو قول أصحاب الحديث‏.‏

ـ واحتجوا ـ بحديث أبي هريرة الآتي وهو أقوى لأن له شاهدًا من حديث ابن عمر أخرجه ابن خزيمة وصححه وذكره البخاري تعليقًا موقوفًا كذا قال الحافظ في بلوغ المرام‏.‏ وقد أخرجه الدارقطني والحاكم في المستدرك مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه‏)‏ وقال‏:‏ على شرط مسلم‏.‏

ـ وأجاب الأولون ـ عن ذلك بأجوبة‏:‏ منها أن حديث أبي هريرة وابن عمر منسوخان بما أخرج ابن خزيمة في صحيحه من حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال‏:‏ ‏(‏كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا أن نضع الركبتين قبل اليدين‏)‏ ولكنه قال الحازمي في إسناده مقال ولو كان محفوظًا لدل على النسخ غير أن المحفوظ عن مصعب عن أبيه حديث نسخ التطبيق‏.‏ وقال الحافظ في الفتح‏:‏ إنه من أفراد إبراهيم بن إسماعيل بن سلمة بن كهيل عن أبيه وهما ضعيفان وقد عكس ابن حزم فجعل حديث أبي هريرة في وضع اليدين قبل الركبتين ناسخًا لما خالفه‏.‏ ومنها ما جزم به ابن القيم في الهدي أن حديث أبي هريرة الآتي انقلب متنه على بعض الرواة قال‏:‏ ولعله وليضع ركبتيه قبل يديه قال‏:‏ وقد رواه كذلك أبو بكر ابن أبي شيبة فقال حدثنا محمد بن فضيل عن عبد اللَّه بن سعيد عن جده عن أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك كبروك الفحل‏)‏ ورواه الأثرم في سننه أيضًا عن أبي بكر كذلك وقد روى عن أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ما يصدق ذلك ويوافق حديث وائل بن حجر‏.‏

قال ابن أبي داود حدثنا يوسف بن عدي حدثنا ابن فضيل عن عبد اللَّه بن سعيد عن جده عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه‏)‏ اهـ ولكنه قد ضعف عبد اللَّه بن سعيد يحيى القطان وغيره قال أبو أحمد الحاكم‏:‏ إنه ذاهب الحديث‏.‏ وقال أحمد بن حنبل‏:‏ هو منكر الحديث متروك الحديث‏.‏ وقال يحيى بن معين‏:‏ ليس بشيء لا يكتب حديثه وقال أبو زرعة‏:‏ هو ضعيف لا يوقف منه على شيء وقال أبو حاتم‏:‏ ليس بقوي‏.‏ وقال ابن عدي‏:‏ عامة ما يرويه الضعف عليه بيَّن‏.‏

ـ ومما أجاب به ابن القيم ـ عن حديث أبي هريرة أن أوله يخالف آخره قال‏:‏ فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير فإن البعير إنما يضع يديه أولًا قال‏:‏ ولما علم أصحاب هذا القول ذلك قالوا ركبتا البعير في يديه لا في رجليه فهو إذا برك وضع ركبتيه أولًا فهذا هو المنهي عنه قال‏:‏ وهو فاسد لوجوه حاصلها‏:‏ أن البعير إذا برك يضع يديه ورجلاه قائمتان وهذا هو المنهي عنه وإن القول بأن ركبتي البعير في يديه لا يعرفه أهل اللغة وأنه لو كان الأمر كما قالوا لقال صلى اللَّه عليه وآله وسلم فليبرك كما يبرك البعير لأن أول ما يمس الأرض من البعير يداه‏.‏

ومن الأجوبة التي أجاب بها الأولون عن حديث أبي هريرة الآتي أن حديث وائل أرجح منه كما قال الخطابي وغيره ويجاب عنه بأن المقال الذي سيأتي على حديث أبي هريرة لا يزيد على المقال الذي تقدم في حديث وائل على أنه قد رجحه الحافظ كما عرفت وكذلك الحافظ ابن سيد الناس قال‏:‏ أحاديث وضع اليدين قبل الركبتين أرجح وقال‏:‏ ينبغي أن يكون حديث أبي هريرة داخلًا في الحسن على رسم الترمذي لسلامة رواته من الجرح‏.‏ ومنها الاضطراب في حديث أبي هريرة فإن منهم من يقول وليضع يديه قبل ركبتيه‏.‏ ومنهم من يقول بالعكس كما تقدم‏.‏ ومنهم من يقول وليضع يديه على ركبتيه كما رواه البيهقي‏.‏ ومنها أن حديث وائل موافق لما نقل عن الصحابة كعمر بن الخطاب وابنه وعبد اللَّه بن مسعود‏.‏ ومنها أن لحديث وائل شواهد من حديث أنس وابن عمر ويجاب عنه بأن لحديث أبي هريرة شواهد كذلك‏.‏ ومنها أنه مذهب الجمهور‏.‏

ـ ومن المرجحات ـ لحديث أبي هريرة أنه قول وحديث وائل حكاية فعل والقول أرجح مع أنه تقرر في الأصول أن فعله صلى اللَّه عليه وسلم لا يعارض قوله الخاص بالأمة ومحل النزاع من هذا القبيل‏.‏

وأيضًا حديث أبي هريرة مشتمل على النهي المقتضي للحظر وهو مرجح مستقل وهذا خلاصة ما تكلم به الناس في هذه المسألة وقد أشرنا إلى تزييف البعض منه والمقام من معارك الأنظار ومضايق الأفكار ولهذا قال النووي لا يظهر له ترجيح أحد المذهبين‏.‏

وأما الحافظ ابن القيم فقد رجح حديث وائل بن حجر وأطال الكلام في ذلك وذكر عشرة مرجحات قد أشرنا ههنا إلى بعضها‏.‏

وقد حاول المحقق المقبلي الجمع بين الأحاديث بما حاصله أن من قدم يديه أو قدم ركبتيه وأفرط في ذلك بمباعدة سائر أطرافه وقع في الهيئة المنكرة ومن قارب بين أطرافه لم يقع فيها سواء قدم اليدين أو الركبتين وهو مع كونه جمعًا لم يسبقه إليه أحد تعطيل لمعاني الأحاديث وإخراج لها عن ظاهرها ومصير إلى ما لم يدل عليه دليل‏.‏ ومثل هذا ما روى البعض عن مالك من جواز الأمرين ولكن المشهور عنه ما تقدم‏.‏

2 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه ثم ركبتيه‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والنسائي وقال الخطابي‏:‏ حديث وائل بن حجر أثبت من هذا‏.‏

الحديث أخرجه الترمذي وقال‏:‏ غريب لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه اهـ‏.‏ وقال البخاري‏:‏ إن محمد بن عبد اللَّه بن حسن بن علي بن أبي طالب لا يتابع عليه وقال‏:‏ لا أدري سمع من أبي الزناد أو لا‏.‏ وقال الدارقطني‏:‏ تفرد به الدراوردي عن محمد بن عبد اللَّه المذكور‏.‏ قال المنذري‏:‏ وفيما قال الدارقطني نظر فقد روى نحوه عبد اللَّه بن نافع عن محمد بن عبد اللَّه وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديثه وقال أبو بكر بن أبي داود السجستاني‏:‏ هذه سنة تفرد بها أهل المدينة ولهم فيها إسنادان هذا أحدهما والآخر عن عبيد اللَّه عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقد قدمنا أنه أخرج حديث ابن عمر هذا الدارقطني والحاكم وابن خزيمة وصححه وقد أعله الدارقطني بتفرد الدراوردي أيضًا عن عبيد اللَّه بن عمر وقال في موضع آخر‏:‏ تفرد به أصبغ بن الفرج عن الدراوردي اهـ‏.‏

ولا ضير في تفرد الدراوردي فإنه قد أخرج له مسلم في صحيحه واحتج به وأخرج له البخاري مقرونًا بعبد العزيز بن أبي حازم وكذلك تفرد أصبغ فإنه قد حدث عنه البخاري في صحيحه محتجًا به‏.‏

ـ والحديث ـ استدل به القائلون بوضع اليدين قبل الركبتين وقد تقدم الكلام على ذلك مستوفى‏.‏

قوله ‏(‏وليضع يديه ثم ركبتيه‏)‏ هو في سنن أبي داود وغيرها بلفظ ‏(‏قبل ركبتيه‏)‏ ولعل ما ذكره المصنف لفظ أحمد‏.‏

3 - وعن عبد اللَّه بن بحينة قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا سجد يجنح في سجوده حتى يرى وضح إبطيه‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله ‏(‏يجنح‏)‏ بضم الياء المثناة من تحت وفتح الجيم وكسر النون المشددة وروي فرج‏.‏ وروي خوى وكلها بمعنى واحد‏.‏ والمراد أنه نحى كل يد عن الجنب الذي يليها‏.‏

قوله ‏(‏حتى يرى‏)‏ قال النووي‏:‏ هو بالنون وروي بالياء المثناة من تحت المضمومة وكلاهما صحيح‏.‏

قوله ‏(‏وضح إبطيه‏)‏ هو البياض وفي رواية‏:‏ ‏(‏حتى يبدو بياض إبطيه‏)‏ وفي أخرى‏:‏ ‏(‏حتى إني لأرى بياض إبطيه‏)‏ قال الحافظ‏:‏ قال القرطبي‏:‏ والحكمة في استحباب هذه الهيئة أن يخف اعتماده على وجهه ولا يتأثر أنفه ولا جبهته ولا يتأذى بملاقاة الأرض قال‏:‏ وقال غيره‏:‏ هو أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض مع مغايرته لهيئة الكسلان‏.‏

وقال ابن المنير ما معناه‏:‏ أن يتميز كل عضو بنفسه‏.‏ وأخرج الطبراني وغيره بإسناد صحيح أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا تفترش افتراش السبع واعتمد على راحتيك وأبد ضبعيك فإذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك‏)‏ وأخرج مسلم من حديث عائشة‏:‏ ‏(‏نهى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع‏)‏ وأخرج أيضًا من حديث البراء مرفوعًا‏:‏ ‏(‏إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك‏)‏‏.‏ وظاهر هذه الأحاديث مع حديث أنس الآتي وجوب التفريج المذكور لولا ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة بلفظ‏:‏ ‏(‏شكى أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم له مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا فقال استعينوا بالركب‏)‏ وترجم له باب الرخصة في ذلك أي في ترك التفريج وفسره ابن عجلان أحد رواته بوضع المرفقين على الركبتين إذا طال السجود‏.‏

وقد أخرجه الترمذي ولم يقع في روايته إذا انفرجوا فترجم له باب ما جاء في الاعتماد إذا قام من السجود فجعل محل الاستعانة بالركب حين يرتفع من السجود طالبًا للقيام واللفظ يحتمل ما قال والزيادة التي أخرجها أبو داود تعين المراد ولكنه قال الترمذي‏:‏ إنه لم يعرف الحديث إلا من هذا الوجه وذكر أنه روي من غير هذا الوجه مرسلًا وكأنه أصح‏.‏ وقال البخاري‏:‏ إرساله أصح من وصله وهذا الإعلال غير قادح لأنه قد رفعه أئمة فرواه الليث عن ابن عجلان عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا والرفع من هؤلاء زيادة وتفردهم غير ضائر‏.‏

4 - وعن أنس عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

قوله ‏(‏ولا يبسط‏)‏ في رواية ولا يبتسط بزيادة التاء المثناة من فوق وفي رواية ‏(‏ولا يفترش‏)‏ ومعناه واحد كما قال ابن المنير وابن رسلان أي لا يجعل ذراعيه على الأرض كالفراش والبساط‏.‏ قال القرطبي‏:‏ ولا شك في كراهة هذه الهيئة ولا في استحباب نقيضها‏.‏

قوله ‏(‏انبساط الكلب‏)‏ في رواية ‏(‏افتراش الكلب‏)‏ وقد عرفت أن معناهما واحد والانبساط مصدر فعل محذوف تقديره ولا يبسط فينبسط انبساط الكلب ومثله قوله تعالى ‏{‏واللَّه أنبتكم من الأرض نباتًا‏}‏ وقوله تعالى ‏{‏وأنبتها نباتًا حسنًا‏}‏ أي أنبتكم فنبتم نباتًا وأنبتها نباتًا‏.‏ والمراد بالاعتدال المأمور به في الحديث هو التوسط بين الافتراش والقبض‏.‏

وظاهر الحديث الوجوب وقد تقدم في شرح الحديث الأول ما يدل على صرفه عنه إلى الاستحباب‏.‏

5 - وعن أبي حميد في صفة صلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

حديث أبي حميد قد تقدم ذكر من أخرجه في باب رفع اليدين وهذا طرف منه‏.‏

قوله ‏(‏فرج بين فخذيه‏)‏ أي فرق بين فخذيه وركبتيه وقدميه قال أصحاب الشافعي‏:‏ يكون التفريق بين القدمين بقدر شبر‏.‏

قوله ‏(‏غير حامل بطنه‏)‏ بفتح الراء من غير والمراد أنه لم يجعل شيئًا من فخذيه حاملًا لبطنه بل يرفع بطنه عن فخذيه حتى لو شاءت بهيمة أن تمر بين يديه لمرت‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على مشروعية التفريج بين الفخذين في السجود ورفع البطن عنهما ولا خلاف في ذلك‏.‏

6 - وعن أبي حميد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض ونحى يديه عن جنبيه ووضع كفيه حذو منكبيه‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والترمذي وصححه‏.‏

وهذا أيضًا طرف من حديث أبي حميد المتقدم وأخرجه بهذا اللفظ أيضًا ابن خزيمة في صحيحه‏.‏

قوله ‏(‏أمكن‏)‏ يقال أمكنته من الشيء ومكنته منه فتمكن واستمكن أي قوي عليه‏.‏ وفيه دليل على مشروعية السجود على الأنف والجبهة وسيأتي الكلام عليه‏.‏

قوله ‏(‏ونحى يديه‏)‏ فيه مشروعية التخوية في السجود كما في الركوع‏.‏

قوله ‏(‏ووضع كفيه‏)‏ هذه الرواية مبينة للرواية الأخرى الواردة بلفظ‏:‏ ‏(‏ووضع يديه‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏حذو منكبيه‏)‏ فيه مشروعية وضع اليدين في السجود حذو المنكبين‏.‏

 باب أعضاء السجود

1 - عن العباس بن عبد المطلب‏:‏ ‏(‏أنه سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏

قوله ‏(‏آراب‏)‏ بالمد جمع إرب بكسر أوله وإسكان ثانيه وهو العضو‏.‏

ـ الحديث ـ يدل على أن أعضاء السجود سبعة وأنه ينبغي للساجد أن يسجد عليها كلها وقد اختلف العلماء في وجوب السجود على هذه السبعة الأعضاء فذهبت العترة والشافعي في أحد قوليه إلى وجوب السجود على جميعها للأوامر التي ستأتي من غير فصل بينها‏.‏ وقال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وأكثر الفقهاء الواجب السجود على الجبهة فقط لقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏ومكن جبهتك‏)‏ ووافقهم المؤيد باللَّه في عدم وجوب السجود على القدمين والحق ما قاله الأولون‏.‏

2 - وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏أمر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ولا يكف شعرًا ولا ثوبًا الجبهة واليدين والركبتين والرجلين‏)‏‏.‏

أخرجاه وفي لفظ‏:‏ ‏(‏قال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين والقدمين‏)‏ متفق عليه‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏أمرت أن أسجد على سبع ولا أكفت الشعر ولا الثياب الجبهة والأنف واليدين والركبتين والقدمين‏)‏ رواه مسلم والنسائي‏.‏

قوله ‏(‏أمر‏)‏ قال الحافظ‏:‏ هو بضم الهمزة في جميع الروايات على البناء لما لم يسم فاعله وهو اللَّه جل جلاله‏.‏ قال البيضاوي‏:‏ وعرف ذلك بالعرف وذلك يقتضي الوجوب ونظَّره الحافظ قال‏:‏ لأنه ليس فيه صيغة أفعل وهو ساقط لأن لفظ أمر أدل على المطلوب من صيغة افعل كما تقرر في الأصول ولكن الذي يتوجه على القول باقتضائه الوجوب على الأمة أنه لا يتم إلا على القول بأن خطابه صلى اللَّه عليه وآله وسلم خطاب لأمته وفيه خلاف معروف ولا شك أن عموم أدلة التأسي تقتضي ذلك وقد أخرجه البخاري في صحيحه من رواية شعبة عن عمرو ابن دينار عن طاوس عن ابن عباس بلفظ ‏(‏أمرنا‏)‏ وهو دال على العموم‏.‏

قوله ‏(‏سبعة أعظم‏)‏ سمى كل واحد عظمًا وإن اشتمل على عظام باعتبار الجملة ويجوز أن يكون من باب تسمية الجملة باسم بعضها كذا قال ابن دقيق العيد‏.‏

قوله ‏(‏ولا يكف شعرًا ولا ثوبًا‏)‏ جملة معترضة بين المجمل والمبين‏.‏ والمراد بالشعر شعر الرأس‏.‏ وظاهره أن ترك الكف واجب حال الصلاة لا خارجها ورده القاضي عياض بأنه خلاف ما عليه الجمهور فإنهم كرهوا ذلك للمصلي سواء فعله في الصلاة أو قبل أن يدخلها‏.‏ قال الحافظ‏:‏ واتفقوا على أنه لا يفسد الصلاة لكن حكى ابن المنذر عن الحسن وجوب الإعادة‏.‏ ‏(‏قيل‏)‏ الحكمة في ذلك أنه إذا رفع ثوبه وشعره عن مباشرة الأرض أشبه المتكبرين‏.‏

قوله ‏(‏الجبهة‏)‏ احتج به من قال بوجوب السجود على الجبهة دون الأنف وإليه ذهب الجمهور‏.‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ إنه يجزئ السجود على الأنف وحده وقد نقل ابن المنذر إجماع الصحابة على أنه لا يحزئ السجود على الأنف وحده وذهب الأوزاعي وأحمد وإسحاق وابن حبيب من المالكية وغيرهم إلى أنه يجب أن يجمعهما وهو قول للشافعي‏.‏

ـ واستدل ـ أبو حنيفة بالرواية الثانية من حديث ابن عباس المذكور في الباب لأنه ذكر الجبهة وأشار إلى الأنف فدل على أنه المراد ورده ابن دقيق العيد فقال‏:‏ إن الإشارة لا تعارض التصريح بالجبهة لأنها قد لا تعين المشار إليه بخلاف العبارة فإنها معينة وفيه أن الإشارة الحسية أقوى من الدلالة اللفظية وعدم التعيين المدعى ممنوع وقد صرح النحاة أن التعيين فيها يقع بالعين والقلب وفي المعرف باللام بالقلب فقط ولهذا جعلوها أعرف منه بل قال ابن السراج‏:‏ إنها أعرف المعارف‏.‏

واستدل القائلون بوجوب الجمع بينهما بالرواية الثالثة من حديث ابن عباس المذكور لأنه جعلهما كعضو واحد ولو كان كل واحد منهما عضوًا مستقلًا للزم أن تكون الأعضاء ثمانية وتعقب بأنه يلزم منه أن يكتفي بالسجود على الأنف وحده والجبهة وحدها فيكون دليلًا لأبي حنيفة لأن كل واحد منهما بعض العضو وهو يكفي كما في غيره من الأعضاء وأنت خبير بأن المشي على الحقيقة هو المتحتم والمناقشة بالمجاز بدون موجب للمصير إليه غير ضائرة‏.‏ ولا شك أن الجبهة والأنف حقيقة في المجموع ولا خلاف أن السجود على مجموع الجبهة والأنف مستحب‏.‏ وقد أخرج أحمد من حديث وائل قال‏:‏ ‏(‏رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسجد على الأرض واضعًا جبهته وأنفه في سجوده‏)‏ وأخرج الدارقطني من طريق عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب الجبين‏)‏ قال الدارقطني‏:‏ الصواب عن عكرمة مرسلًا وروى إسماعيل ابن عبد اللَّه المعروف بسمويه في فوائده عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏إذا سجد أحدكم فليضع أنفه على الأرض فإنكم قد أمرتم بذلك‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏واليدين‏)‏ المراد بهما الكفان بقرينة ما تقدم من النهي عن افتراش السبع والكلب‏.‏

قوله ‏(‏والرجلين‏)‏ وفي الرواية الثانية والثالثة والركبتين والقدمين وهي معينة للمراد من الرجلين في الرواية الأولى‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على وجوب السجود على السبعة الأعضاء جميعًا وقد تقدم الخلاف في ذلك وظاهره أنه لا يجب كشف شيء من هذه الأعضاء لأن مسمى السجود يحصل بوضعها دون كشفها‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ ولم يختلف في أن كشف الركبتين غير واجب لما يحذر فيه من كشف العورة وأما عدم وجوب كشف القدمين فلدليل لطيف وهو أن الشارع وقت المسح على الخف بمدة يقع فيها الصلاة بالخف فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخف المقتضي لنقض الطهارة فتبطل الصلاة اهـ ويمكن أن يخص ذلك بلابس الخف لأجل الرخصة‏.‏ وأما كشف اليدين والجبهة فسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعد هذا‏.‏

وقد ذهب الهادي والقاسم والشافعي إلى أنه لا يجب الكشف عن شيء من السبعة الأعضاء‏.‏ وذهب الناصر والمرتضى وأبو طالب والشافعي في أحد قوليه إلى أنه يجب في الجبهة دون غيرها‏.‏ وقال المؤيد باللَّه وأبو حنيفة‏:‏ إنه يجزئ السجود على كور العمامة وفي قول للشافعي إنه يجب كشف اليدين كالجبهة وقال المؤيد باللَّه وأبو حنيفة وأهل القول الأول إنه لا يجب كعصابة الحرة وسيأتي الدليل على ذلك‏.‏

 باب المصلي يسجد على ما يحمله ولا يباشر مصلاه بأعضائه

1 - عن أنس قال‏:‏ ‏(‏كنا نصلي مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

قوله ‏(‏ثوبه‏)‏ قال في الفتح‏:‏ الثوب في الأصل يطلق على غير المخيط‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على جواز السجود على الثياب لاتقاء حر الأرض وفيه إشارة إلى أن مباشرة الأرض عند السجود هي الأصل لتعليق بسط ثوب بعدم الاستطاعة‏.‏ وقد استدل بالحديث على جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلي‏.‏ قال النووي‏:‏ وبه قال أبو حنيفة والجمهور وحمله الشافعي على الثوب المنفصل‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ يحتاج من استدل به على الجواز إلى أمرين‏:‏ أحدهما أن لفظ ثوبه دال على المتصل به إما من حيث اللفظ وهو تعقيب السجود بالبسط وإما من خارج اللفظ وهو قلة الثياب عندهم وعلى تقدير أن يكون كذلك وهو الأمر الثاني يحتاج إلى ثبوت كونه متناولًا لمحل النزاع وهو أن يكون مما يتحرك بحركة المصلي وليس في الحديث ما يدل عليه وقد عورض هذا الحديث بحديث خباب بن الأرت عند الحاكم في الأربعين والبيهقي بلفظ‏:‏ ‏(‏شكونا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا‏)‏ وأخرجه مسلم بدون لفظ حر وبدون لفظ جباهنا وأكفنا ويجمع بين الحديثين بأن الشكاية كانت لأجل تأخير الصلاة حتى يبرد الحر لا لأجل السجود على الحائل إذ لو كان كذلك لأذن لهم بالحائل المنفصل كما تقدم أنه كان صلى اللَّه عليه وسلم يصلي على الخمرة ذكر معنى ذلك الحافظ في التلخيص‏.‏

وأما ما أخرجه أبو داود في المراسيل عن صالح بن خيوان السبائي أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رأى رجلًا يسجد إلى جنبه وقد اعتم على جبهته فحسر عن جبهته‏.‏ وأخرج ابن أبي شيبة عن عياض بن عبد اللَّه قال‏:‏ ‏(‏رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رجلًا يسجد على كور العمامة فأومأ بيده ارفع عمامتك‏)‏ فلا تعارضهما الأحاديث الواردة بأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يسجد على كور عمامته لأنها كما قال البيهقي لم يثبت منها شيء يعني مرفوعًا‏.‏

وقد رويت من طرق عن جماعة من الصحابة‏.‏ منها عن ابن عباس عند أبي نعيم في الحلية وفي إسناده ضعف كما قال الحافظ‏.‏ ومنها عن ابن أبي أوفى عند الطبراني وفيه قائد أبو الورقاء وهو ضعيف‏.‏ ومنها عن جابر عند ابن عدي وفيه عمرو بن شمر وجابر الجعفي وهما متروكان‏.‏ ومنها عن أنس عند ابن أبي حاتم في العلل وفيه حسان بن سيارة وهو ضعيف‏.‏ ورواه عبد الرزاق مرسلًا‏.‏ وعن أبي هريرة قال أبو حاتم‏:‏ هو حديث باطل ويمكن الجمع إن كان لهذه الأحاديث أصل في الاعتبار بأن يحمل حديث صالح بن خيوان وعياض بن عبد اللَّه على عدم العذر من حر أو برد وأحاديث سجوده صلى اللَّه عليه وآله وسلم على كور العمامة على العذر‏.‏ وكذلك يحمل حديث الحسن الآتي على العذر المذكور‏.‏

ومن القائلين بجواز السجود على كور العمامة عبد الرحمن بن يزيد وسعيد بن المسيب والحسن وبكر المزني ومكحول والزهري روى ذلك عنهم ابن أبي شيبة‏.‏ ومن المانعين عن ذلك علي ابن أبي طالب وابن عمر وعبادة بن الصامت وإبراهيم وابن سيرين وميمون بن مهران وعمر بن عبد العزيز وجعدة بن هبيرة روى ذلك عنهم أيضًا أبو بكر ابن أبي شيبة‏.‏

2 - وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏لقد رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في يوم مطير وهو يتقي الطين إذا سجد بكساء عليه يجعله دون يديه إلى الأرض إذا سجد‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث أخرج نحوه ابن أبي شيبة عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏إن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى في ثوب واحد يتقي بفضوله حر الأرض وبردها‏)‏ وأخرجه بهذا اللفظ أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط والكبير‏.‏ قال في مجمع الزوائد‏:‏ ورجال أحمد رجال الصحيح‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على جواز الاتقاء بطرف الثوب الذي على المصلي ولكن للعذر إما عذر المطر كما في حديث الباب أو الحر والبرد كما في رواية ابن أبي شيبة‏.‏ وهذا الحديث مصرح بأن الكساء الذي سجد عليه كان متصلًا به‏.‏ وبه استدل القائلون بجواز ترك كشف اليدين في الصلاة وقد تقدم ذكرهم في الباب الأول ولكنه مقيد بالعذر كما عرفت إلا أن القول بوجوب الكشف يحتاج إلى دليل إلا أن يقال إن الأمر بالسجود على الأعضاء المذكورة يقتضي أن يكون بينها وبين الأرض حائل وقد قدمنا أن مسمى السجود يحصل بوضعها دون كشفها‏.‏

3 - وعن عبد اللَّه بن عبد الرحمن قال‏:‏ ‏(‏جاء النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فصلى بنا في مسجد بني الأشهل فرأيته واضعًا يديه في ثوبه إذا سجد‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه وقال‏:‏ ‏(‏على ثوبه‏)‏‏.‏

الحديث أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن إسماعيل بن أبي حبيبة عنه‏.‏ وهذا الحديث قد اختلف في إسناده فقال ابن أبي أويس عن إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن ثابت بن الصامت عن أبيه عن جده وهذا أولى بالصواب قاله المزني‏.‏

وقد استدل به أيضًا القائلون بجواز ترك كشف اليدين حال السجود وهو أدل على مطلوبهم من حديث ابن عباس لإطلاقه وتقييد حديث ابن عباس بالعذر وقد تقدم تمام الكلام عليه‏.‏ قال المصنف‏:‏ وقال البخاري‏:‏ قال الحسن‏:‏ كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه‏.‏ وروى سعيد في سننه عن إبراهيم قال‏:‏ كانوا يصلون في المساتق والبرانس والطيالسة ولا يخرجون أيديهم انتهى‏.‏

وكلام الحسن الذي علقه البخاري قد وصله البيهقي وقال‏:‏ هذا أصح ما في السجود موقوفًا على الصحابة‏.‏ ووصله أيضًا عبد الرزاق وابن أبي شيبة‏.‏ والقلنسوة بفتح القاف واللام وسكون النون وضم المهملة وفتح الواو وقد تبدل ياء مثناة من تحت وقد تبدل الفاء وتفتح السين وبعدها هاء تأنيث وهي غشاء مبطن يستر به الرأس قاله القزاز في شرح الفصيح‏.‏ وقال ابن هشام‏:‏ التي يقال لها العمامة الشاشية‏.‏ وفي المحكم هي من ملابس الروس معروفة‏.‏ وقال أبو هلال العسكري‏:‏ هي التي تغطى بها العمائم وتستر من الشمس والمطر كأنها عنده رأس البرنس‏.‏ وقول الحسن ويداه في كمه أي يد كل واحد منهم قال الحافظ‏:‏ وكأنه أراد بتغيير الأسلوب بيان أن كل واحد منهم ما كان يجمع بين السجود على العمامة والقلنسوة معًا لكن في كل حالة كان يسجد ويداه في كمه‏.‏ والمساتق جمع مستقة وهي فرو طويل الكمين كذا في القاموس‏.‏ والبرانس جمع برنس بالضم قال في القاموس هو قلنسوة طويلة أو كل ثوب رأسه منه دراعة كان أو جبة‏.‏ والطيالسة جمع طيلسان‏.‏

 باب الجلسة بين السجدتين وما يقول فيها

1 - عن أنس قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا قال سمع اللَّه لمن حمده قام حتى نقول قد أوهم ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏ وفي رواية متفق عليها‏:‏ ‏(‏أن أنسًا قال‏:‏ إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي بنا فكان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائمًا حتى يقول الناس قد نسي وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول الناس قد نسي‏)‏‏.‏

الرواية الأولى أخرجها أيضًا أبو داود وغيره‏.‏ قوله ‏(‏قد أوهم‏)‏ بفتح الهمزة والهاء فعل ماض مبني للفاعل‏.‏ قال القرطبي‏:‏ ومعناه ترك‏.‏ قال ثعلب‏:‏ يقال أوهمت الشيء إذا تركته كله أوهم ووهمت في الحساب وغيره إذا غلطت أهم ووهمت إلى الشيء إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره‏.‏ وقال في النهاية‏:‏ أوهم في صلاته أي أسقط منها شيئًا يقال أوهمت الشيء إذا تركته وأوهمت في الكلام والكتاب إذا أسقطت منه شيئًا‏.‏ ووهم يعني بكسر الهاء يوهم وهما بالتحريك إذا غلط‏.‏ قال ابن رسلان‏:‏ ويحتمل أن يكون معناه نسي أنه في صلاة وكذا قال الكرماني وزاد أو ظن أنه في وقت القنوت حيث كان معتدلًا والتشهد حيث كان جالسًا ويؤيد التفسير بالنسيان التصريح به في الرواية الأخرى‏.‏

قوله ‏(‏إني لا آلو‏)‏ هو بهمزة ممدودة بعد حرف النفي ولام مضمومة بعدها واو خفيفة أي لا أقصر‏.‏

قوله ‏(‏قد نسي‏)‏ أي نسي وجوب الهوي إلى السجود قاله الكرماني ويحتمل أن يكون المراد أنه نسي في صلاة أو ظن أنه وقت القنوت حيث كان معتدلًا والتشهد حيث كان جالسًا قاله الحافظ‏.‏ ووقع عند الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة قلنا قد نسي طول القيام أي لأجل طول قيامه‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على مشروعية تطويل الاعتدال من الركوع والجلسة بين السجدتين وقد ذهب بعض الشافعية إلى بطلان الصلاة بتطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين محتجًا بأن طولهما ينفي الموالاة وما أدري ما يكون جوابه عن حديث الباب‏.‏ وعن حديث حذيفة الآتي بعده‏.‏ وعن حديث البراء المتفق عليه‏:‏ ‏(‏أنه كان ركوعه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وسجوده وإذا رفع من الركوع وبين السجدتين قريبًا من السواء‏)‏ ولفظ مسلم‏:‏ ‏(‏وجدت قيامه فركعته فاعتداله‏)‏ الحديث‏.‏ وفي لفظ للبخاري‏:‏ ‏(‏كان ركوع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وسجوده وبين السجدتين وإذا رفع رأسه من الركوع ما خلا القيام والقعود قريبًا من السواء‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ هذا الحديث يدل على أن الاعتدال ركن طويل وحديث أنس أصرح في الدلالة على ذلك بل هو نص فيه فلا ينبغي العدول عنه لدليل ضعيف وهو قولهم لم يسن فيه تكرير التسبيحات كالركوع والسجود‏.‏

ووجه ضعفه أنه قياس في مقابلة النص فهو فاسد انتهى‏.‏ على أنه قد ثبتت مشروعية أذكار في الاعتدال أكثر من التسبيح المشروع في الركوع والسجود كما تقدم وسيأتي‏.‏ وأما القول بأن طولهما ينفي الموالاة فباطل لأن معنى الموالاة أن لا يتخلل فصل طويل بين الأركان مما ليس فيها وما ورد به الشرع لا يصح نفي كونه منها وقد ترك الناس هذه السنة الثابتة بالأحاديث الصحيحة محدثهم وفقيههم ومجتهدهم ومقلدهم فليت شعري ما الذي عولوا عليه في ذلك واللَّه المستعان‏.‏

2 - وعن حذيفة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقول بين السجدتين رب اغفر لي رب اغفر لي‏)‏‏.‏

رواه النسائي وابن ماجه‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الترمذي وأبو داود عن حذيفة مطولًا ولفظه‏:‏ ‏(‏إنه رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي من الليل وكان يقول‏:‏ اللَّه أكبر ثلاثًا ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ثم استفتح فقرأ البقرة ثم ركع فكان ركوعه نحوًا من قيامه وكان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم ثم رفع رأسه من الركوع فكان قيامه نحوًا من قيامه‏)‏ وفي رواية الأسارى‏:‏ ‏(‏نحوًا من ركوعه وكان يقول لربي الحمد ثم يسجد فكان سجوده نحوًا من قيامه فكان يقول في سجوده سبحان ربي الأعلى ثم يرفع رأسه من السجود وكان يقعد فيما بين السجدتين نحوًا من سجوده وكان يقول رب اغفر لي رب اغفر لي فصلى أربع ركعات فقرأ فيهن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة أو الأنعام‏)‏ شك شعبة وفي إسناده رجل من بني عبس‏.‏ قيل هو صلة بن زفر العبسي الكوفي وقد احتج به البخاري ومسلم‏.‏

والحديث أصله في مسلم وهو يدل على مشروعية طلب المغفرة في الاعتدال بين السجدتين وعن استحباب تطويل صلاة النافلة والقراءة فيها بالسور الطويلة وتطويل أركانها جميعًا‏.‏ وفيه رد على من ذهب إلى كراهة تطويل الاعتدال من الركوع والجلسة بين السجدتين‏.‏ قال النووي‏:‏ والجواب عن هذا الحديث صعب‏.‏ وقد تقدم بقية الكلام على ذلك‏.‏

3 - وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقول بين السجدتين اللَّهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وأبو داود إلا أنه قال فيه‏:‏ ‏(‏وعافني‏)‏ مكان ‏(‏واجبرني‏)‏‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي وجمع ابن ماجه بين لفظ ارحمني واجبرني وزاد ارفعني ولم يقل اهدني ولا عافني‏.‏ وجمع بينها الحاكم كلها إلا أنه لم يقل وعافني‏.‏ وفي إسناده كامل أبو العلاء التميمي السعدي الكوفي وثقه يحيى بن معين وتكلم فيه غيره‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على مشروعية الدعاء بهذه الكلمات في القعدة بين السجدتين‏.‏ قال المتولي‏:‏ ويستحب للمنفرد أن يزيد هنا اللَّهم هب لي قلبًا نقيًا من الشرك بريًا لا كافرًا ولا شقيًا‏.‏ قال الأذرعي‏:‏ لحديث ورد فيه‏.‏